الحوكمة في السعودية

حوكمة العمل الحكومي من أهم خطط المملكة العربية السعودية ورؤيتها المستقبلية في 2030، بحيث أن الحوكمة تعمل على تفعيل مسؤولية الجهات التنفيذية بما يُمكنها من المسائلة، وبما يساهم في إلغاء الأدوار المتكررة والنمطية، والأهم أنها تضمن استمرارية العمل ومرونته. وتُعد الحوكمة مؤشراً قوياً على سلامة الاقتصاد الوطني، فلا يخفى على أحد الدور الهام للحوكمة في تحسين الإداء الاستثماري والمالي والاقتصادي بشكل عام، وتحقيق النزاهة والمساواة وإقرار العدالة، ولهذا فالحوكمة تحظى باهتمام عالمي. وفي مقالنا الماثل سنتناول تعريف الحوكمة وأهدافها، ورؤية المملكة في تحقيقها، وأثرها في الحد من الفساد وفي جذب الاستثمار ورفع كفاءة عمل الجامعات.


 أولاً: تعريف الحوكمة: 

يُعرف البعض الحوكمة بأنها: " الممارسة الرشيدة للسلطة وعملية صنع القرار داخل المؤسسة، فهي تتضمن الطريقة التي يتم من خلالها إدارة المؤسسة وتنظيمها، وتوزيع السلطة والأدوار والمسؤوليات الرسمية، وتوضيح العلاقة بين السلطات المركزية والمحلية". وعرفتها مؤسسة التمويل الدولية بأنها: " النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها". وعرفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنها: " مجموعة العلاقات التي تربط بين كل من إدارة المؤسسة ومجلسها الإداري ومساهميها والأطراف الأخرى ذات الصلة".

 

ثانياً: الأهداف العامة للحوكمة:

 الحوكمة كإدارة رشيدة تُساهم في رفع كفاءة عمل المؤسسات ووضع أنظمة غايتها منع الممارسات الفاسدة بكافة أشكالها، ومن أدوات ذلك أنها تضع أنظمة للرقابة على أداء المؤسسات ونقاط فاصلة لتحديد الحقوق والواجبات والمسؤوليات على كافة أعضاء المؤسسة، وأيضًا قواعد وإجراءات لسير العمل، بما يُساهم في النهاية بتحقيق عديد الأهداف المختلفة سنوجزها فيما يلي: 

  • تحقق الحوكمة العدالة والشفافية من خلال الرقابة الفعالة والمسائلة المستمرة على إدارة المال العام، بما يُساهم في الحد من الفساد وكذلك الاستغلال الأمثل لموارد الدولة.
  • تحد من الاستغلال غير السليم للسلطة بما يتجاوز حدود القانون وبما يحقق الحماية الكافية للملكية العامة وبما لا يضر بمصالح المتعاملين مع أجهزة الدولة المختلفة.
  • تحقيق الحوكمة يجلب الثقة في الاقتصاد ويُساهم في جلب الاستثمار الخارجي ومن ثم رفع معدلات النمو والازدهار الاقتصادي.
  • تُمكن الحوكمة من الرقابة على الأجهزة التنفيذية ومراجعة أدائها وجودة أعمالها من خارج أعضاء الإدارة التنفيذية بما يُساهم في إعداد تقارير مستقلة تكون أقرب للحقيقة والواقع وبما يعكس في النهاية الأداء الحقيقي لتلك المؤسسات بلا مجاملة.
  • تحسين سمعة المؤسسة وتجنب المخاطر والصراعات التي تؤثر على الجودة داخل المنظمة.

 

ثالثاً: سير المملكة نحو رؤيتها 2030 في تحقيق الحوكمة: 

 أصدرت المملكة العربية السعودية وثيقة في غاية الأهمية يُمكن اعتبارها بمثابة اللبنة الأولى لبناء مستقبل أفضل للأجيال الجديدة، والسير على درب الممارسات العالمية في تحقيق الحوكمة، وذلك بعد إطلاق عديد البرامج والاستراتيجيات والتي سيكون لها أثراً كبيراً في ذلك، ومن أهم تلك البرامج ما يلي: 

1: برنامج إعادة هيكلة الحكومة: 

المرونة وإعادة الهيكلة المستمرة للعمل الحكومي تسهم في تحقيق الأولويات الوطنية، فتظافرت جهود المملكة نحو إلغاء المجالس العليا في البلاد، وبديلاً عن ذلك تم إنشاء مجلسين، الأول للشؤون الاقتصادية والتنمية، والثاني للشؤون السياسية والأمنية، وكان لذلك الأثر البالغ في رفع كفاءة المؤسسات وتسريع الإجراءات وعمليات اتخاذ القرار، وهذا التطوير الهيكلي مستمر بشكل دوري ومنتظم.

 2: برنامج تحقيق التوازن المالي:

 أسهم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية - والذي أنشئ بغية إعادة هيكلة الحكومة - في مراجعة الأثر الاقتصادي للمشروعات، وعلى إثر ذلك تم استحداث إدارات بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة والجديدة ومراجعة اللوائح، مما كان له الفضل في رفع الإيرادات غير النفطية بشكل ملحوظ.

 3: برنامج إدارة المشروعات:

 تمر المملكة بثورة في المشروعات التطويرية والإصلاحية في كافة أجهزة الدولة، وحتى لا تضيع جهود الدولة في تلك المشاريع كان لابد من اتباع المنهج العلمي في إدارة تلك المشروعات، ومن ذلك استحداث مكتب لإدارة المشروعات في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومركزاً آخر للإنجاز والتدخل السريع، والعديد من المكاتب في الجهات الحكومية المختلفة.

 4: برنامج مراجعة الأنظمة:

 في وقت وجيز قامت المملكة بإصدار أنظمة جديدة تواكب تطورات العصر، ومنها نظام رسوم الأراضي البيضاء، ونظام الهيئة العامة للأوقاف، ونظام الشركات، ونظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، ونظام العمل، وتجري المملكة مراجعات مستمرة للأنظمة لديها بما يتناسب مع مجريات الحاضر ويواكب المستقبل.

 5: برنامج قياس الأداء:

 أسست المملكة المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة حرصاً على تطبيق مبدأ أو ثقافة الأداء لتصبح هي المعيار في تقييم كافة الجهات، والمبادرات، والأجهزة، والمسؤولين.

 6: برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي:

 تسعى المملكة لإعادة هيكلة مستمرة ومنتظمة ومرنة لمؤسسات الدولة المختلفة، بحيث تكون لكل مؤسسة دورها ومسؤوليتها المنفصلة عن غيرها بما يُساهم في إلغاء الأدوار المتكررة، وتسهيل الإجراءات وتكون لكل مؤسسة وظائفها المحددة ومهامها المعلومة المسؤولة عنها والتي يُمكن أن تخضع للمسائلة والرقابة، وبما يضمن المرونة في مواجهة التحديات ويقلل من التضارب بين السياسات وبرامج الأجهزة.

 7: برنامج رأس المال البشري:

 تعمل المملكة على تفعيل برنامج متخصص يدعم العنصر البشري نظراً لأهميته في نجاح المشروعات، ويكون الدعم من خلال عديد النشاطات كالمساعدة في الاختيار، والمساندة في توفير الكوادر المناسبة وتأهيلها كل بحسب ما يحتاجه من دعم. 


رابعاً: أثر الحوكمة في جذب الاستثمار الأجنبي في المملكة: تُساهم الحوكمة في تعزيز قدرة الاقتصاد التنافسية، بحيث تعمل على دعم الأداء الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية والقدرة على التنافس وزيادة ثقة المستثمرين لكونها تخلق ضمانات ضد الفساد وسوء الإدارة، وسنتناول ذلك بإيجاز في عديد النقاط فيما يلي: 

  • تقف الحوكمة حائلاً في مواجهة أحد أطراف العلاقة الفاسدة، ومن ثم فهي بهذا تحجم من استنزاف موارد الشركة وتآكل قدراتها التنافسية، وما سيتبعه ذلك من عزوف المستثمرين عن الاستثمار في بيئة يعتريها الفساد، فالحوكمة تؤكد على مبادئ العدالة والشفافية في معاملات الشركة، وفي إجراءات المراجعة والمسائلة.
  • تساعد الحوكمة على تحسين العملية الإدارية للشركة وتحسين كفاءة أدائها، مما يؤدي لجذب الاستثمار.
  • يترتب على تطبيق حوكمة الشركات تقوية ثقة المجهور وكافة المتعاملين مع الشركات، مما يُساهم في ضمان تحقيق الدولة لأفضل عائد على استثماراتها، وهذا ينعكس بالإيجاب على القدرة التنافسية للدولة.
  • تطبيق حوكمة الشركات يؤدي لتعزيز ثقة الجمهور فيما يتعلق باستقلال ونزاهة عملية الخصخصة.

 

خامساً: أثر الحوكمة في الحد من الفساد الإداري في المملكة:

 قد تعتري بعض المؤسسات انحرافات إدارية أو تنظيمية أو وظيفية تصدر من الموظفين في فترة أدائهم لأعمالهم وقد تتجسد بعض تلك المظاهر في التسيب وعدم تحمل المسؤولية، أو عدم الالتزام بقوانين، وأحكام العمل، والإهمال، والتقصير. وأسباب الفساد الإداري عديدة ومتنوعة، فهناك أسباب قانونية وإدارية كغياب القوانين والأنظمة، وهناك أسباب سلوكية تتعلق بسلوك الفرد نفسه، وهناك أسباب سياسية تتعلق بضعف الإرادة السياسية، وأسباب اقتصادية تتمثل في البطالة وقلة الرواتب وضعف الأجور. ويُمكن القول أن الحوكمة تحقق أثرها في القضاء على الفساد الإداري، فهي أداة مهمة في محاربة الفساد، بحيث أن المكاشفة والمسائلة التي تبنى عليها العمليات الإدارية تجنب الفساد وتعزز قيم النزاهة وتحقيق العدالة. فتساهم الحوكمة في تحقيق الأمان للعاملين، من خلال الرقابة على أدائهم، وبالتالي فهي تتحول لوسيلة للتطوير الإداري في حال ظهور عوار متعلق بالأنظمة والإجراءات المتبعة. ونتيجة لذلك فالموظف يكون حريصاً تجنباً للوقوع تحت طائلة المسائلة والتحقيق، وينعكس ذلك على أدائه المؤسسي بالإيجاب من خلال مراجعة نشاطاته وحساباته أولاً بأول، فيتحول سلوكه للرشد وتندر التجاوزات. 


سادساً: أثر الحوكمة على الجامعات السعودية:

 تُساهم الحوكمة في تحقيق أهداف الجامعات وتحسين أدائها ، بإتباع خطط وأساليب إدارية مناسبة ورشيدة، فالحوكمة تنعكس على أداء الجامعة في جميع أوجه نشاطاتها وأدوارها، فالممارسات الفعلية للحوكمة ترفع من كفاءة المؤسسة التعليمية من خلال أمور عديدة كالرقابة والمسائلة المحاسبية داخل الجامعة، وتنظيم العلاقة بين الأطراف والمعنيين بالجامعة، وتعزيز الشفافية والإفصاح والمكاشفة، ويكون لذلك أثره الواضح في دعم وتحقيق أهدافها ورسالتها، ومجمل الاستفادة تكون في رفع قدرة تلك المؤسسات التعليمية وتحقيق النمو والمنفعة العامة.


المحامي:

عبدالعزيز الجعيثن